شرح حديث: “تسحروا فإن في السَّحُورِ بركة”
حديث “تسحروا فإن في السَّحُورِ بركة” هو حديث نبوي شريف ورد في العديد من كتب الحديث، وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما من العلماء، ويعد من الأحاديث التي تحمل معاني عظيمة، سواء في ما يتعلق بالعبادات أو بما يتعلق بالنصائح الحياتية التي ترفع من قدر الإنسان وتجعله ينال الفوائد الروحية والجسدية. هذا الحديث يبرز أهمية السَّحُور في شهر رمضان الكريم، ويبين للمسلمين مزاياه العظيمة التي قد يغفل عنها الكثيرون.
أهمية السَّحُور في رمضان
في رمضان، نجد أن كثيراً من الناس يكتفون بتناول وجبة الإفطار دون العناية بتناول السَّحُور، وهو ما يُعتبر من الأخطاء الشائعة التي قد تؤثر على صحة الفرد خلال اليوم الذي يليه. لذلك، يسلط هذا الحديث الضوء على “السَّحُور”، الذي هو طعام يتم تناوله في وقت السحر، أي قبل الفجر، ويعتبر سنة مؤكدة في الدين الإسلامي. يتجلى في هذا الحديث حث النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العادة المباركة، مؤكداً أن لها بركة عظيمة.
السَّحُور: مفهومه ووقته
السَّحُور هو الوجبة التي يتناولها المسلم قبل بداية صيام يومه، وهي تكون عادة في الساعات القليلة التي تسبق الفجر. تُعد هذه الوجبة من السنن المستحبة في شهر رمضان، ويتعين على المسلم أن يحرص على تناولها؛ لأن فيها فوائد صحية عظيمة تعينه على الصيام طوال اليوم.
الوقت الذي يُستحب فيه تناول السَّحُور هو ما بين أذان الفجر الأخير وأذان المغرب. وأفضل وقت يكون هو آخر جزء من الليل، وذلك من باب تحري البركة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: “تسحروا فإن في السَّحُورِ بركة”.
التفسير اللغوي للحديث
لنغص في معاني الحديث بشكل أعمق، نجد أن كلمة “تسحروا” تأتي من الفعل “سَحَرَ” الذي يعني: تناول الطعام في وقت السحر، والسحر هو الوقت الذي يسبق الفجر ويُعتبر أقرب الأوقات إلى الغروب في اليوم. و”البركة” في الحديث تأتي من فعل “برك”، ومعناها في هذا السياق هو النماء والنفع والخير الوفير الذي يحل على الشخص في سعيه إلى التقوى.
المعنى الروحي للحديث
حينما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “تسحروا فإن في السَّحُورِ بركة”، فإنه يشير إلى البركة الروحية التي تعود على المسلم من تناول هذه الوجبة في وقتها. فالسَّحُور يُعتبر وقتًا مميزًا للتقرب إلى الله تعالى بالعبادة، حيث إن هذا الوقت هو وقت السحر الذي يتجلى فيه الرب سبحانه وتعالى ويجيب فيه الدعاء.
السَّحُور يعبّر عن التزام المسلم بالطاعة والسنن النبوية، ولعل اتباع هذا الحديث هو نوع من التقوى والورع، بل يوضح في حقيقة الأمر كيف أن أي عمل من أعمال المسلمين إذا توافرت فيه النية الصافية والطهارة، فإن الله سبحانه وتعالى يبارك فيه ويمنحه ثواباً عظيماً، حتى لو كان هذا العمل طعامًا بسيطًا أو إقدامًا على إتمام العبادة اليومية.
البركة الجسدية في السَّحُور
إن بركة السَّحُور لا تقتصر على الجوانب الروحية فحسب، بل لها آثار مدهشة على الجسم أيضًا. إذا نظرنا إلى البُعد الصحي من هذا الحديث، نجد أن السَّحُور يسهم في تحسين قدرة الجسم على تحمل الصيام. فالوجبة التي يتناولها المسلم في السحر توفر له طاقة إضافية تُعينه على أداء عبادته خلال النهار دون أن يشعر بالضعف أو التعب المفرط.
من الناحية العلمية، يعمل السَّحُور على إمداد الجسم بالعناصر الغذائية الأساسية، مثل البروتينات والدهون والفيتامينات، والتي يحتاجها الجسم في أثناء ساعات الصيام الطويلة. كما أن السَّحُور يسهم في منع حدوث الصداع أو الشعور بالإرهاق خلال ساعات النهار، حيث يساعد في الحفاظ على مستويات السكر في الدم على المدى الطويل.
فوائد السَّحُور على المستوى النفسي
بعيدًا عن الفوائد الصحية، يعتبر السَّحُور فرصة ذهبية للراحة النفسية والروحية. فهو وقت مميز للهدوء والتأمل، حيث يكون المسلم في جوٍّ هادئ بعيد عن ضغوط الحياة اليومية. ويشجع هذا الوقت على الخلوة مع النفس، وفي الكثير من الأحيان، يكون السَّحُور مظهرًا من مظاهر التفكر والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، فيستطيع المسلم أن يدعو الله بما يشاء في تلك اللحظات المباركة.
كذلك، فإن السَّحُور يُعزز من روح الجماعة والتآلف بين المسلمين، إذ نجد أن العديد من الأسر تجتمع حول مائدة السَّحُور في جو من المودة والمحبة، مما يعزز من الترابط الاجتماعي ويُسهم في نشر روح التعاون والتراحم بين أفراد المجتمع.
الدروس المستفادة من الحديث
-
الاهتمام بالسَّحُور:
إن الحديث يشير بوضوح إلى أهمية السَّحُور، ويوجه المسلمين إلى عدم التغافل عن هذه السنة النبوية المباركة. فقد ثبت علميًا أن الوجبة التي يتناولها المسلم قبل الفجر تُعد ضرورية من الناحية الصحية والروحية، مما يجعل من إحيائها أمرًا ذا فائدة عظيمة. -
مراعاة الفوائد الصحية:
السَّحُور يساعد على تجنب الشعور بالجوع أو الإرهاق خلال النهار، ويُحسن من القدرة على الصيام. -
استحضار النية الطيبة:
يُعلمنا الحديث أن كل عمل نقوم به في الإسلام، مهما بدا بسيطًا، إذا كان مقرونًا بالنية الطيبة، فإنه ينال بركة عظيمة. وهذا يشمل السَّحُور، الذي يعد طعامًا لكنه في نفس الوقت عبادة نقتدي فيها بنبي الله صلى الله عليه وسلم. -
التأكيد على العبادة في الوقت المبارك:
في الوقت الذي يتناول فيه المسلم السَّحُور، يزداد تعلقه بالله ويشعر بقوة الإيمان. هذا الوقت المبارك الذي تتنزل فيه البركة يعزز الروحانية ويسهم في زيادة القرب من الله.
خلاصة الحديث وأثره على المسلمين
يُعد حديث “تسحروا فإن في السَّحُورِ بركة” تذكيرًا للمسلمين في رمضان بأن السَّحُور ليس مجرد وجبة تُؤكل لتمرير الوقت، بل هو عبادة يُؤجر عليها المسلم وتمنحه فوائد عظيمة على مستوى الروح والجسد. إن اهتمام المسلم بالسَّحُور يعكس تمسكه بالسنن النبوية وحسن استغلاله للأوقات المباركة، ما يعود عليه بثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة.
